الملل آفة من آفات النفس البشرية ومرحلة من الخمول تنتابها بين الحين والآخر، وهي وإن كانت فطرة طبيعية لكنها ليست محمودة على كل حال، لأن الملل يدفعنا لترك قضيتنا ويجهض رسالتنا بعد بدايات متوهجة وعزيمة متقدة، لكن يبقى الرفق بالنفس هو خير دواء مع الوضع في الإعتبار أن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل.
الملل الزوجي.. شعور يعتبره الزوجان نذير خطر، ولكن هذا الإنذار قد يكون مفيداً إذا أدرك الزوجان أنه طور عابر يعني الحاجة الماسة إلى التغيير والتجديد في نمط حياتهما، وقد لا يكون الإنذار بهذه البساطة إذا أخذ منحى آخر، ووصل أحد الزوجين إلى حلٍ منفرد فأحدث التغيير بمفرده بعيداً عن الأسرة والمنزل كالسهر الطويل خارج البيت والتنزه والرحلات، الإنغماس في هوايات ومواهب جديدة، كالألعاب الإلكترونية والإنترنت، الإنخراط في عمل طويل ومجهد، إختلاق المشاكل والمنغصات داخل البيت التي قد تصل إلى الانفصال. بعض الأزواج يلجأ إلى الزواج ثانية وأحياناً ثالثة والبعض يبحث عن علاقات غير شرعية أو سلوك خاطئ.
والملل شيء يأتي غالبًا من داخل الإنسان لإنتصار الظروف السيئة وكثرة المشاغل والأعباء والضغوط، ولكي ينجو الزواج من مصيدة الملل، يجب الإهتمام بتجديد طقوس الحياة الزوجية ورعاية تغيير أنماطها من وقت لآخر، فالزواج مثل الكائن الحي يظل متمتعًا بالحيوية ما دام هناك الجديد، ولن يتم قهر الملل إذا لم يكن لدى الإنسان غاية في هذه الحياة.
= تبادل الهدايا حتى وإن كانت رمزية، فوردة توضع على مخدة الفراش قبل النوم لها سحرها العجيب، وبطاقة صغيرة ملونة كتب عليها كلمة جميلة لها أثرها الفعال، والرجل حين يدفع ثمن الهدية، فإنه يسترد هذا الثمن إشراقًا في وجه زوجته، وإبتسامة حلوة على شفتيها، وكلمة ثناء على حسن إختيارها، ورقة وبهجة تشيع في أرجاء البيت.
= تخصيص وقت للجلوس معًا والإنصات بتلهف وإهتمام للمتكلم، وقد تعجَّب بعض الشرّاح لحديث أم زرع من إنصات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها الطويل وهي تروي القصة.. من المهم تخصيص هذه الجلسات الحميمية يتصارح فيها كلا الزوجين، ويتحدثان لبعضهما عما يشعر كل طرف منهما تجاه الآخر، وذلك حتى يتخلصا من كمِّ المشاحنات الداخلية والرواسب النفسية.
= النظرات التي تنم عن الحب والإعجاب، فالمشاعر بين الزوجين لا يتم تبادلها عن طريق أداء الواجبات الرسمية، أو حتى عن طريق تبادل كلمات المودة فقط، بل كثير منها يتم عبر إشارات غير لفظية من خلال تعبيرة الوجه، ونبرة الصوت، ونظرات العيون.. فكل هذه من وسائل الإشباع العاطفي والنفسي.
= التحية الحارة والوداع عند الدخول والخروج، وعند السفر والقدوم، وعبر الهاتف.
= الثناء على الزوجة، وإشعارها بالغيرة المعتدلة عليها، وعدم مقارنتها بغيرها.
= الإشتراك معًا في عمل بعض الأشياء الخفيفة كالتخطيط للمستقبل، أو ترتيب المكتبة، أو المساعدة في طبخة سريعة، أو الترتيب لشيء يخص الأولاد، أو كتابة طلبات المنزل الأسبوعية، وغيرها من الأعمال الخفيفة التي تكون سببًا للملاطفة والمضاحكة وبناء المودة.
= التوازن في الإقبال والتمنع، وهذه وسيلة مهمة، فلا يُقبل على الآخر بدرجة مفرطة، ولا يتمنع وينصرف عن صاحبه كليًا، وقد نُهِيَ عن الميل الشديد في المودة، وكثرة الإفراط في المحبة، ويحتاج التمنع إلى فطنة وذكاء فلا إفراط ولا تفريط، وفي الإفراط في الأمرين إعدام للشوق والمحبة، وقد ينشأ عن هذا الكثير من المشاكل في الحياة الزوجية، التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات بالذات، كأن تمرض الزوجة أو تحمل، فتحتاج إلى عناية حسية ومعنوية، أو يتضايق الزوج لسبب ما، فيحتاج إلى عطف معنوي، وإلى من يقف بجانبه، فالتألم لآلم الآخر له أكبر الأثر في بناء المودة بين الزوجين، وجعلهما أكثر قربًا ومحبة أحدهما للآخر.
= التجديد المستمر، فلا بد أن تجيد الزوجة فنّ التغيير، التغيير في الملبس والتغيير في المكياج، والتغيير في تسريحة الشعر، والتغيير في العطور... نعم عند الزوجة ملابس مناسبة، وعطور جيدة وشعر جميل، ولكن هذا لا يُغني، إذ إن التغيير مطلوب في حدّ ذاته، فهو من البهارات اللازمة لتغيير نمط العلاقة الزوجية.
= لا تلغي وجود زوجتك، فالشورى مهمة في الحياة الزوجية، ولابد أن يشعر كل واحد بأنه مشارك فعال في الأسرة وأنه غير مهمل.
= الإختلاف الدائم في الرأي يؤدي غالباً إلى إختلاف القلوب، فوافقي زوجك أحياناً حتى وإن كنت غير مقتنعة، وإعلمي أن الطاعة في غير معصية الله، وأنها من المعروف.
= الاجازات من أعظم الوسائل لقتل الملل في الحياة الزوجية، فلابد من جعل يوما واحدا في الأسبوع للخروج للترفيه عن النفس الإبتعاد عن الروتين المنزلي، وجعل يوم في الشهر لخروج الزوج والزوجة فقط دون الأبناء، وحبذا لو كان الذهاب إلى مكان شاعري أو مكان له ذكريات جميلة في حياة الزوجين، ولو خُتمت النزهة بهدية رقيقة من أحد الزوجين لكان أفضل وأروع.
= يجب على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها، فالحياة صارت من الصعوبة لتوفير حياة كريمة، كما يجب عليها أن تشاركه روحيًّا ومعنويًّا لتشعره أنَّها شريكته في الكِفاح، ولتصرف عن نفسه الشعور بأنه وحيد في حياته، أو أنها بعيدة عنه وتريد نفسها فقط، أو أن إهتمامها به قلَّ نظرًا لظروفه الحياتية التي أجِبَر عليها.
وأخيرا فلقد ثبت علميا أن المرأة لديها القدرة على التجديد والإبتكار أكثر من الرجل، إذ أن طبيعة المرأة تجعل لديها القدرة على التخيل والإبتكار، والتجديد دائماً يحتاج إلى تخيل وإبتكار، ومن المشاكل التي تواجه المرأة المجددة في الحياة الزوجية أن الزوج لا يشجعها أحيانا، وإذا كان الزوج لا يشجع زوجته على التجديد فأنها لن تستمر.
يقول علماء السلوك: إننا إذا لم نمتدح صاحب السلوك الحسن، فإنه سيترك سلوكه، ولكن ذم السلوك السيِّئ لا يؤدي دوماً إلى ترك السلوك السيِّئ، لذا فهم يؤكدون على أهمية إمتداح السلوك الإيجابي.
وفي أحيان أخرى ترى الزوجة التجديد من زاوية معينة ولكن الزوج يراه من زاوية أخرى، ولكن الأصل في الموضوع هو السعادة، فليحاول كل طرف أن يري الطرف الآخر من زاويته، فهي غاية الهدف، لأنهم سيرون زاويتين جديدتين، وهي مشاعر في قمة الروعة والجمال.
والمشكلة الأخرى هي مشكلة هؤلاء الأشخاص الذين ينتظرون من الآخرين أن يدخلوا السرور على قلوبهم ولا يبادرون هم بهذا العمل.
الكاتب: د. خالد سعد النجار.
المصدر: موقع إسلام ويب.